الفصل الأخير:
سبحان مغير الأحوال، لقد تغير حال الشاب بسبب حبه الصادق للفتاة، بين ليلة وضحاها أصبح شغله الشاغل رؤية الفتاة من بعيد ليهدأ ويسكن قلبه بداخل ضلوعه؛ لم يكن ليهنأ له بالا إلا برؤيتها يوميا، ودائما ما يفكر في وسيلة لإسعاد قلبها الكسير، ولكن كل محاولاته تبوء بالفشل المريع، أكثر من مرة يبعث إليها بصديقته ولكن الفتاة لم ترد أن تقابلها من الأساس، ويرسل إليها برسائل اعتذار ولكنها أخذت على نفسها عهدا ونفذته بالحرف الواحد.
قرار:
بعدما باءت كل المحاولات بالفشل قرر الشاب الامتثال بأخلاق الفتاة المجيدة والاستعانة بخالقه كما فعلت معه (يوم الحفلة)، فالتزم بالصلاة والقيام والصيام واجتهد في دراسته، وعاهد الله أنه لن يعود إلى سابق عهده، ووضع أمام عينيه دائما الصورة النقية للفتاة التي من أجلها سيفعل المستحيل، كان دائما يخاف الله راجيا من خالقه ألا يحرمه من الفتاة التي أحبها قلبه بكل صدق، ومر عام وحازت الفتاة على المركز الأول وكذلك الشاب حصل على أعلى المراكز وتفوق على نفسه وأصبح شخصا آخر؛ إن الفتاة لا تعلم عنه شيئا مطلقا ولا تتقصى أخبار أي حد، كل ما تهتم لأجله بحياتها عمتها فقط.
ذهول من التغير الجذري:
أم الشاب في حالة ذهول من حال صغيرها الذي تغير تغيرا جذريا فجأة، من طريق الفساد إلى الطريق المستقيم، هي حقا فرحة لأجله فقد كانت دائما ما تدعو له الله أن يهديه الطريق المستقيم، ولكن كل ما يعكر عليها صفوها هي حالة صغيرها إذ تنتابه حالة من السكون الدائم على خلاف شخصيته المرحة؛ كحال كل الأمهات قلقت الأم على ابنها وصارت تسأل عنه أصدقائه المقربين، وكل من تسأله يخبرها بأن ابنها قد انقطع عنهم من فترة كبيرة مؤخرا؛ وعندما سألت صديقته المقربة أخبرتها بقصة الفتاة التي ساقها الله إليه لصلاح حاله، وكيف أن ابنها يأس من محادثتها أصلا، وحكت لها عن كل شيء دار بينه وبين الفتاة وكل شيء شاركت فيه الصديقة بخطة من ابنها، وكيف من الله عليهما هما الاثنين بحب الله وحب طاعته بسبب تحلي هذه الفتاة اليتيمة بثقة في خالقها بأنه سينجيها من مكائدهما.
تصرف حكيم:
هنا أدركت الأم كل ما حل بصغيرها، واستطاعت بمحادثة الصديقة جمع كافة الخيوط لبيان الصورة واضحة أمام عينيها، وبذلك اليوم عزمت على جعل هذه الفتاة النقية زوجة لابنها، من تأمن عليه سوى فتاة بمثل أخلاقها وصفاتها؟!؛ طلبت من الصديقة عنوانا للفتاة…
بمنزل الفتاة:
عندما وصلت الأم طرقت الباب وانتظرت حتى يفتح لها.
العمة: “هل أستطيع مساعدتكَ؟”.
أم الشاب: “بالتأكيد تستطيعين مساعدتي، ولكن أتسمحين لي بالدخول أولا؟”
العمة: “آسفة حقا، تفضلي”.
أم الشاب: “إنني والدة شاب زميل لابنتك بالجامعة، وأردت أن أتقدم لخطبتها لابني، هذه الخدمة لن أنساها لكِ طالما حييت بمشيئة الله”.
العمة: “إن ابنة أخي لا تفكر في الزواج مطلقا، كل ما تفكر به دراستها وتحقيق حلم حياتها، وهو أن تصبح طبيبة تعمل على مساعدة الناس، لقد توفي والديها بحادث سيارة ومن قلة المال لم نستطع مساعدتهما…” وهنا اغرورقت عيني العمة بالدموع.
أم الشاب: “إنني حقا آسفة لسماع ذلك، ولكني سأروي لكِ القصة كاملة”.
بمجرد أن بدأت الأم برواية قصة ابنها كانت قد دخلت الفتاة وبعد أن سلمت على الضيفة طلبت منها عمتها أن تجلس فالموضوع يخصها.
جلست الفتاة بكل هدوء واستمعت لكل ما حكته الأم وعرفت أن الشاب كان صادقا في كل مشاعره تجاهها؛ وضحت الأم للفتاة مدى تأثر ابنها بفتاة أحبها ووضع فيها كل ثقته ولكنها خانته وكانت سببا في ضياعه…
الأم: ” يا ابنتي إن ابني طيب للغاية ولكنه كان محتاج لمن يعدل له طريقه، شخصا يثق به وأنتِ كنتِ ذلك الشخص”… ذرفت الأم دموعا ولكنها استكملت حديثها: ” أتوسل إليكِ أن تعطيه فرصة واحدة وإلا فإني سأخسره للأبد؛ إنه قل ما يأكل أو يشرب، قل ما يتحدث إلى أحد، دائما ما يصوم ويصلي، يقوم الليل؛ لقد أصبح شخصا آخر وأنتي صاحبة الفضل الأول والأخير بعد الله سبحانه وتعالى”.
هنا نظرت الفتاة لعمتها وعيناها مليئتان بالدموع، وما كان من عمتها إلا أن أعطتها الموافقة على سؤلها وهي في غاية السعادة والسرور لاطمئنانها أخيرا على مستقبل حبيبتها.
جبر الخواطر من عند الله:
لقد جمع الله بين قلبين عاهدا الله ولم ينقضان معه العهد، فكانت الفتاة قرة عين للشاب وأصبح هو أيضا قرة عين لها، وأتممت دراستها وأصبحت طبيبة ماهرة، وقام زوجها ببناء مجموعة من المستشفيات التي تعمل على رعاية الفقراء والمحتاجين في سبيل الله ومن أجل ابتغاء مرضاته.